ملكية الأرض في الإسلام
بين الشرع والوضع والتطبيق
إن منهجية البحث تفرض علينا أن نبين:
أن هناك أولا حكما موضوعيا شرعيا مجردا، هو حكم ملكية الأرض في الإسلام، أي في صميم الشريعة الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة
وأن هناك ثانيا فقها للسلف الصالح في الموضوع ، هو ما استنبطوه وفهموه وأفتوا به، برغم ما واجههم من مشاق متعلقة بصعوبات جمع النصوص حينا، وبضغوط الملوك والحكام حينا آخر،مما جعل بعض أحكامهم تتعارض أو تتفاوت قربا وبعدا من النصوص.
وأن هناك ثالثا محاولات معاصرة تتأرجح بين النظام الماركسي والنظام الرأسمالي، وهي كلها محاولات تلفيقية وردود فعل لأوضاع وقتية آنية، لذلك نجد في أحكامها كثيرا من التناقض، فالإسلام في نظرها أحيانا يطلق ملكية الأرض إطلاقا كاملا كما هو الحال في النظام الرأسمالي، وأحيانا يحددها بمقادير معينة كما هو في الأنظمة التوفيقية الترقيعية، وأحيانا يؤمم الأرض ويجعلها ملكا للدولة كما هو في النظام الماركسي، وكأن الإسلام في نظر أصحاب هذه المحاولات ترك الموضوع لاجتهادهم المحض، ولم يضع له تشريعا محددا في الكتاب والسنة.
لذلك كان من اللائق والمفيد أن نركز في هذا البحث على أحكام الإسلام المستمدة مباشرة من الكتاب والسنة، فإذا ظهر الحكم الشرعي المجرد، وامتد أمام أعيننا الخط المستقيم بدا لنا عوار من انحرف عنه ذات اليمين أوذات الشمال..وهذا النهج يقودنا حتما إلى القرآن الكريم وحكمة الله من خلق الأرض. فلمن خلقت الأرض ؟ ولماذا سخرت ؟
حكمة خلق الأرض وتسخيرها
إن الله سبحانه قد خلق الأرض مسخرة للبشر، وقدر فيها أقواتها، رحمة بهم، وهداية لهم إلى سبل الرشاد، ثم دلهم بها على قدرته وربوبيته ورحمانيته وآلائه، كي يقوموا بما خلقوا له ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات : 56 .
وآلاء الله الدالة عليه كثيرة لا تحصى، إلا أن في مقدمتها خلق الأرض وتقدير أقواتها ومستقراتها ومهادها وتسخيرها؛ بهذا يمن الله تعالى على الإنسان ويدعوه إلى التأمل والتدبر والمعرفة والعبادة والشكر:
( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِين )َ فصلت: 9.
( وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) الأعراف: 10.
فالله الذي خلق، والله الذي رزق، هو الذي يستحق العبادة وهو الذي يحق له أن يبصرنا بفضله علينا، وفي مقدمة هذا الفضل تسخير الأرض وجعلها لنا بساطا ومهدا ومستقرا ومصدرا للرزق الكريم:
( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً )ٌ البقرة : 29
( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) الملك : 15
( وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ، فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ، وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ، فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الرحمن: 10/11
( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى، كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى ) طه 53.
( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة: 22 .
( أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ، أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) النمل 60/61 .
هذه هي الأرض في المفهوم القرآني ، خلقت معلما من معالم الطريق إلى معرفة الله سبحانه .
وضعت للأنام ، وذللت لهم، وسخرت لمنفعتهم قرارا ، ومهدا ، وفراشا ، ومصدرا للرزق، لكل فرد منهم فيها حق معلوم ، يكفي حاجته ، وليس لأي كان أن يمنع غيره من حاجته(... أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) النمل : 62 .
ومن تجرأ على منع الناس من حقهم في الأرض سكنا، أو استقرارا، أو استثمارا حسب حاجاتهم فقد منعهم من معرفة ربهم، وحجب نور الإيمان عنهم ، وصادر دليلا من أدلة وجود الله ورحمانيته وقيوميته على خلقه، وهو بذلك محارب لله ولرسوله ، مضل للخلق وهاديهم إلى نار جهنم فهو والشيطان سواء ...
على هذا دلت النصوص القرآنية، وإلى هذا وجهت السنة النبوية، وارجعوا إلى قرآن ربكم العظيم وسيرة نبيكم العطرة تتأكدوا...
والأمر لا يقتصر على الإنسان وحده، فلكل دابة مما سوى الإنسان حاجتها من الأرض طعاما ومشربا ومستقرا:
( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) هود : 6 .
وقد قص النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم على أصحابه قصة الرجل الذي وجد في الصحراء كلبا يلهث يأكل الثرى من العطش فذهب إلى البئر ونزع خفه فملأها ماء حتى روي الكلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فشكر الله له فغفر له، كما أخبر عن سبب دخول امرأة النار فقال
دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ).
ويضرب الله لنا الأمثال في هذا .. (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ).. ناقة الله ، آية لقوم صالح ، يرمز بها إلى حق الحيوان في الأرض مطعما ومشربا:
( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) الأعراف : 73 .
( قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ، وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ ، فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ) الشعراء : 155/158 .
هذا الرمز القرآني المبين، والإشارة الربانية العظيمة والمثل الإلهي الواضح الموضح لحق كل الخلق في الأرض، وتلك التصريحات الربانية المحكمة التي تبين ملكية الناس لحاجاتهم ومنافعهم، تعززها السنة النبوية قولا وعملا وإقرارا...
هل رعاها الناس حق رعايتها ؟ هل التزموا بتطبيقها وممارستها ؟ هل نظموا شؤون حياتهم على هديها؟ .
إن الواقع البشري يجيب بالنفي على هذه التساؤلات ...
( فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) البقرة : 59 .
فذاقوا وبال أمرهم شقاء وتعبا وجوعا، مسغبة وتقاتلا؛ ومن أعرض عن ذكر الله ومنهجه فإن له معيشة ضنكا.
لقد انتقم الله من ثمود قوم صالح لاعتدائهم على ناقة، فكيف بعقاب من اعتدى على الإنسان، بالتجويع والتشريد والامتهان، وهو الذي كرمه ربه وتكفل برزقه وهدايته (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا ) الإسراء 70.
يبحث الفرد العادي عن سكن وليس له مال فلا يجد، يبني عشا من قش في حي للصفيح فيتهم بالإساءة إلى جمال المباني أو الاعتداء على أرض الغير أو تأسيس محضن للإرهاب، يحاول استنبات الأرض طلبا للطعام فيمنع لأن الأرض ليست له، ويحاول النوم في الشارع فتطارده الشرطة بدعوى أنه مشرد ، ويتجه إلى الغابة أو كهوف الجبال ليستقر فيها فيتهم بالتمرد والثورة ويعتقل ... يرفع عينيه إلى السماء ويتساءل : أين الأرض التي سخرت لنا أيها الرب الكريم؟ أين الرزق الذي يسرت لنا أيها الرب الرحيم؟ أين الأرض التي جعلتها معلما من معالم الهداية إليك أيها الإله العظيم؟.
هكذا يجد محتكرو الأرض أنفسهم في مواجهة مع ربهم، فالله تعالى دل خلقه على ألوهيته ووحدانيته بتسخير الأرض لهم، وهؤلاء المحتكرون استولوا على الأرض وادعوا ملكيتها واستعبدوا بها الخلق وحولوا وجهتهم عن طريق الله ، فلا ينام شخص إلا بإذنهم ، ولا يرزق إلا بموافقتهم ، ولا يطعم إلا برضاهم ، وبذلك ادعوا صفة من صفات الله، وجعلوا من أنفسهم أندادا له سبحانه وتعالى.
هذا عين ما فعله فرعون الظالم :
( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ) الزخرف : 55 .
( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ) القصص : 38 .
( فَحَشَرَ فَنَادَى ، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) النازعات : 24 .
فثمود قوم صالح قديما، وفراعنة مصر من بعدهم، وقارون بني إسرائيل من بعد ذلك، ومحتكرو الأرض والثروة والأرزاق في هذا العصر كلهم غيروا نظام الأرض، وأعلنوا أنفسهم أندادا لله، وهو عين ما حذر منه ربنا سبحانه، في مجال حديثه عن الأرض وتسخيرها ثم عقب على ذلك بقوله:
(فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة : 22 .
( وَجَعَلُواْ لِلّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) إبراهيم30 .
فكان عاقبة تبديلهم قولا غير الذي قيل لهم، ونظاما غير الذي وضع لهم الجوع والفقر ونقص من الأموال والأنفس والثمرات.
(وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) سبأ : 16/18.
ثم جاءت رسالة الإسلام لتصحيح الأوضاع، وإعادة البشرية إلى نظام فطرتها الأولى في عقيدتها وشعائرها وشرائعها، في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والحكم والقضاء ...
ولم يكن موضوع الأرض بالأمر الهين الذي يترك لاجتهاد البشر ، أولم ينظمه الوحي أولم تنزل من أجله الآيات البينات ؛ لاسيما وهو متعلق بأمرين :
متعلق بالعقائد، لأنه معلم من معالم الإيمان.
ومتعلق بأرزاق الناس، لأن الله سبحانه تعهد بضمانها وتوفيرها.
إن الإسلام الذي نظم أدق الأشياء في حياتنا وأصغرها كإماطة الأذى عن الطريق، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، ما كان ليترك موضوعا خطيرا كموضوع الأرض، متعلقا بدنيا الناس وآخرتهم بدون تشريع أو تنظيم ، فكيف كان تشريعه في هذا المضمار؟، وكيف أعاد البشرية إلى نظام الفطرة الأولى؟
إن التشريع الإسلامي عودنا أسلوبين في معالجة قضايا الإنسان المادية والمعنوية...
في موضوع العقائد أمرنا بالتحول من الكفر إلى الإيمان، ومن الشرك إلى التوحيد طفرة واحدة، بدون تدرج، لأن الأمر متعلق بالقلوب والعقول والاقتناع؛ أما في ميدان الماديات، والإنسان متعلق بها وقد زينت له (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ) آل عمران : 14 فإن الله سبحانه وتعالى قد سلك بنا فيها سبل التدرج ، من السهل إلى الصعب ، إلى الأصعب، من البسيط إلى المركب، من السفح إلى النجد إلى العقبة، وما أدراك ما العقبة.
نفس الأسلوب اتبع عند تحريم الخمر والنفس متعلقة بها، فثمرات النخيل والأعناب رزق حسن، ولكنه يستخدم أحيانا لغير ما خلق له، سكرا وتغييبا للعقول :
(وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) النحل : 67.
ثم إن الخمر إثمه أكبر من نفعه (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) البقرة :219
والخمر بعد ذلك لا تجوز به الصلاة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) النساء : 43 .
والخمر في نهاية المطاف حرام مطلقا (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) المائدة 90.
نفس الأسلوب اتبع عند تصفية الرق ونظامه، بإغلاق روافده، وفتح أبواب تصفيته بالعتق والكفارة والتطوع والمكاتبة ...
كذلك الشأن في موضوع الأرض وهو أشد خطورة وأكبر شأنا من قضيتي الخمر والرق.
إن التشريع الإسلامي سار متدرجا عند إعادته لعلاقة الناس بالأرض إلى وضعها الطبيعي الفطري ...
دعاهم أولا إلى الإسلام، ثم عاملهم بما يناسب نوع استجابتهم للدعوة، وقسمهم إلى فئات:
- فئة أسلمت على أرضها.
- فئة رضخت للصلح على شروط.
- وفئة حاربت وانهزمت.
ثم بعد ذلك نزلت التشريعات الموحدة للحكم الشرعي في موضوع الأرض، مبينة في وضوح تام لكل من تتبع مسيرة التشريع الإسلامي وخط سيره في هذه القضية، أنه يهدف دائما إلى غاية رئيسية أساسية هي أن تعود للأرض صبغتها الأولى، ومهمتها التي خلقت من أجلها، أن تعود الأرض مهدا ومستقرا ومصدرا لرزق الجميع سواسية، ومعلما من معالم الإيمان بالله ووحدانيته وقيوميته على خلقه.
.